حرصا منا على المصداقية و الشفافية جميع المصادر و التقارير المستخدمة في الحلقة ستجدونها مرفقة بالنص:ـ

النص

 

نص الموسم الثاني #سيادة_النظام
الحلقة الثانية
إعداد و تقديم: عبدالله العودة

 

حُكْم قراقوش

 

الحلقة الثانية

وليد أبو الخير: نطالب ببرلمان منتخب.. نطالب بملكية دستورية.. أن نكون نحن الوحيدون في العالم لا نخوض انتخابات سياسية.

 

وليد أبو الخير: هذا الخوف الشديد من وزارة الداخلية يظهر أنها بالفعل في حالة ارتباك.

 

وليد أبو الخير: البطش والكبت الذي يحدث حاليا للشعب و بالذات للنشطاء الحقوقيون لن يولد إلا الصمت.

 

وليد أبو الخير: الحل الوحيد ليس المزيد من هذا البطش إنما الحل الوحيد هو محاولة لتلبية مطالب هذا الشعب.

 

السعودية العظمى

 

حرية، عدالة، تعددية، تمثيل ... و كل ما يجعل السعودية عظيمة.

 

هذه حلقات موسم سيادة النظام من بودكاست "السعودية العظمى".. نناقش فيها قضايانا بدون واسطة، وبدون تحفّظات، وبدون مقصّ الرقيب.

 

دافعها حب هذا البلد لأننا أهلُه.. والدفاع عن الوطن الذي يعني في المقام الأول الدفاع عن شعبه وحقوقه وحرياته والعيش الكريم.

 

نحن أبناء وبنات هذه الأرض.. نحن زرعها.. نناقش مستقبلنا ومستقبل أهلنا فيها.. ودون تردد لنا عودة بإذن الله!

 

أنا عبدالله العودة: كبير الباحثين في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون وأستاذ الفكر السياسي الإسلامي .. وسأكون مقدّم حلقات هذا الموسم بإذن الله تعالى

 

ووليد أبو الخير: ليس هو الحل هو أنه كلما يخرج صوت يطالب بالحقوق ويطالب بنشاط إصلاحي يتم اعتقاله.. لأنه في الأخير سوف يأتي ناشط آخر. الحل هو سيادة القانون.. هي هذه الكلمتين فقط: سيادة القانون. لتعتقل الدولة وزارة الداخلية من تشاء في أي وقت تشاء و تضعه في أي مكان تشاء لكن على الأقل تقدير تحتفظ هي و نحتفظ نحن بحقنا في سيادة القانون.

 

هذا وليد سامي أبو الخير.. المحامي و الحقوقي البارز.. من عائلة حجازية عريقة معروفة بالحضور الديني و السياسي. كان جدّه (محمد سعيد أبو الخير) من أعيان جدّة ومن الأسماء المنتخبة لأول مجلس شعبي بعد اتفاقية أهل الحجاز مع الملك عبدالعزيز.

 

وليد، حفظ القرآن على عبيدالله الأفغاني.. وشارك في النشاطات الثقافية، وتدرّب قانونياً في مكتب المحامي عصام بصراوي (الذي أصبح ممن يسمّون بإصلاحيي جدة ، وهم مجموعة منهم عبدالرحمن الشميمري، وسعود مختار الهاشمي، وموسى القرني.. اجتمعوا للمطالبة بإصلاح دستوري فتم اعتقالهم في عام ١٤٢٨هجري (٢٠٠٧).

 

تأثر وليد بنضال الدكتور عبدالله الحامد، العضو المؤسس في حسم والشخصية الدستورية المهمة الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى، وحضر عنده مرّات.. وقاده ذلك للاهتمام بموضوع الحراك الدستوري والإصلاحيين في البلد للعمل الحقوقي.

 

وليد بسبب نشاطه الحقوقي و الدستوري حكم في المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الأمن و الإرهاب و حكم عليه بالسجن ١٥ سنة و بعدها ١٥ سنة منع من السفر عام ١٤٢٥ هجري (٢٠١٤).

 

يقول صديق قريب لوليد و هو صديق غيرنا صوته لأغراض الحماية و الأمن أن وليد بدأ نشاطه بحضور محاكمات ٢٠٠٣ للدكتور عبد الله. الحامد و أ. على الدميني و أ. متروك الفالح.

 

صديق وليد: بداية نشاط وليد أبوالخير هي بدأت بحضور محاكمات ٢٠٠٣ التي تم فيها محاكمة دعاة الملكية الدستورية وهم الدكتور عبدالله الحامد والأستاذ علي الدميني والدكتور متروك الفالح. عندما حضر وليد أبوالخير هذه المحاكمات تأثر كثيراً بموقف الرجل الكبير في السن د. عبدالله الحامد وكيف أن القضاء كان تعسفياً في أحكامه وفي مواجهة إطلاق تهم باطلة على هؤلاء الإصلاحيين السلميين الثلاثة. بعد هذه المحاكمة عدة سنوات وجد أبوالخير أن هناك فراغ سياسي في المنظومة الدستورية بالبلد والتي هي تتمثل في أنه لا يوجد نظام ملكي دستوري بالبلد يفصل العلاقات الثلاثة الدستورية والتنفيذية والقضائية، وهذا الذي دفع عدد من الإصلاحيين في ذلك الوقت لتشكيل فريق من مدافعي عن معتقلي الرأي.

 

والأهم أن يكون وليد مدافع عن حقوق الجميع.. المجتمع السعودي والشعب بكافة أطيافه.

 

صديق وليد: وليد أبوالخير من الميزات الجميلة في شخصيته والتي تميزه عن كير من الحقوقيين والاصلاحيين في السعودية أن ، وليد أبوالخير لم يكن يدافع عن فريق ينتمي له، وليد أبوالخير كان يدافع عن الجميع بشتى ألوانهم وأطيافهم الفكرية والحقوقية واختلاف تصوراتهم عن قضايا إيدلوجية كثيرة  في المشهد، من هؤلاء المعتقلين كان د. يوسف الأحمد حينما طالب بمقطع شهير بتطبيق النظام، انبرت وزارة الداخلية واعتقلت يوسف اعتقالا تعسفيا، فما كان من وليد أوبالخير إلا أن انبرى للدفاع عن هذا الرجل الذي كان في ذلك الوقت يتسيّد المشهد لتطبيق النظام.

 

وليد المناضل المحامي.. عمل على عدة قضايا، ولكن عندما ترافع عن المعتقل البريطاني.. صدمته هذه التجربة القانونية.. في التفريق بين المواطن والأجنبي.. بين امتيازات حتى في الاعتقال للأجنبي الأبيض.. وبين مواطن مسحوق يرفضون حتى زيارة محاميه له..

 

وليد أبو الخير: كان فيه سجين بريطاني مسلم. تم سجنه لفترات طويلة فتفاجأت لأني لأول مرة أعرف أن هناك سجين بريطاني سجن لهذه السنوات الطويلة. سجن تقريبا ٤ سنوات دون محاكمة. الغريب أنه لأول مرة-وهذا لم يحصل في معتقلي جدة الإصلاحيين، لأني كنت وكيلاً عن الدكتور عبدالرحمن الشميمري وعن الدكتور مختار الهاشمي وعن الدكتور موسى القرني وكنت أطلب الزيارة لهم ولم يسمح لي- ولكن عندما جاءت القضية عن هذا السجين البريطاني، اتصلت بي إدارة السجن وقالوا لك زيارة للسجين البريطاني وسمح لي بقائه والجلوس معه وكانت الإجراءات القانونية أكثر مراعاة لهذه القضية بالتحديد بينما حرم المواطن السعودي من أن يقابل موكله عندما طلب.

 

تلك القصة التي ذكرها وليد حول المواطن البريطاني..

حتى على الظلم لا نخلو من الحسد..:

وأنشدت بلســان الحـال قائلة **** من غير كره , ولا مطل، ولا مدد
والله مــا حزنت أخت لفقــد أخ ***** حزني عليه ولا أم على ولد
إن يحسدوني على موتي , فوا أسفى*** حتى على الموت لا أخلو من الحسد

 

لمن يعرف وليد .. هذا جزء من هذا الشغف بالحرّية، شغف دفعه لأن يكون محامياً للضعفاء والمهمشين والإصلاحيين.. نوع من المحاماة و العمل القانوني لا يغنيك و لا يكسبك عيشاً.. بل مهمة ليست فقت محفورة بالمخاطر و الأشواك بل عمل عدلي

يعني أنك تدخل معركة كسر عظم مع الاستبداد أشخاص يسخّرون القانون.. ويصغونه لأجل قمعك.. ويتحكّمون بالمحكمة ويبتزّون القاضي لأجل السيطرة عليك.

 

أدرك وليد هذه الحيلة.. وحاول التحدث عنها.. وكشفها

 

وليد: الحرية هي التي سببت أنني لا أستمر في الكثير من الوظائف، بسبب أنني أشعر بأنني في حاجة ماسة أن أكون أكثر استقلالية. الحرية هي التي سببت أني أخسر كثير حتى الجمهور لأني كنت أشعر أني بحاجة ماسة أن لا أخضع لسلطة الجمهور. الحرية بالنسبة لي هي حالة عبودية لله، أن شيئاً وهبك الله يعني و هو خلقك حرّاً وجعلك -فيما أدين به- عبداً له ولم يجعلك عبداً لأي أحد، عبداً لمخلوق أو إنسان أو وجود في هذه الحياة. هذا بالنسبة لي هو أعظم نعمة وهبني الله إياها. وشكر هذه النعمة هي أن أعيشها.

 

صديق وليد: الحرية بالنسبة لوليد أبوالخير مبدأ، وركيزة أساسية في حياته، وفي سبيل هذه الركيزة وهذا المبدأ دفع وليد أبوالخير ثمناً باهضاً لها.  وهو الآن موجود بالسجن نتيجة اختيار شخصي منه أن يكون مستقلاً عن الجميع وأن لا يكون خاضعاً لأي قانون جائر أو مصلحة عامة. كان يمكن لوليد أبوالخير أن يكون من أشهر المحامين الذين يتميزون باستقلالية مالية ويكون له مكتب خاص في أفخم شوارع مدينة جدة، لكن اختار أن يكون مدافعاً ومنحازاً للمعتقلين وعن قضايا ليست ذات بعد شخصي في حياته، ولكن من باب أن هؤلاء معتقلين ومظلومين ومن حقهم أن ينالوا حريتهم. في هذا الإطار دفع وليد أبوالخير ثمن حياته، وهو الآن يقضي فترة عقوبة جائرة نتيجة لهذا القرار وهذا المبدأ.

 

وليد وأصدقاؤه الحقوقيين اكتشف أن النظام الاستبدادي يتعامل مع الأنظمة والقوانين بطريقتين متناقضتين إما عدم تطبيق النظام.. أو بخلق نظام يبرر كل أفعال التعسف والظلم عوضاً عن الإصلاح والتعديل:

 

ففي الفترة الأولى كان النظام يخلق أنظمة عدلية وقوانين مثل قوانين تحفظ حق الإنسان من القبض والاعتقال والتفتيش التعسفي

لكن لا يطبقها و لا يعمل بها.

 

و لذلك يوم كانت شعوب الأرض حولنا تطالب باسقاط النظام .. كان الناس في السعودية يطالبون بتطبيق النظام!

 

حتى شيوخ الدين.. في ذلك الوقت كانوا يطالبون بهذا:

 

فالشيخ يوسف الأحمد، دكتور الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، قبل تسع سنوات .. كان لديه تعليق مهم:

 

يوسف الأحمد: هؤلاء كلهم والنساء كلهم ماذا يريدون؟ يريدون شيء واحد: طبق االنظام، طبق الشرع، وأحل أبناءنا وأقاربنا ومن حولنا للقضاء الشرعي. حققوا معهم بالطريقة النظامية ثم أحيلوهم للقضاء الشرعي، أما أن يؤخذ ثم يرمى، ثم يكون هناك تكديس وتجميع ومخزن وكأنهم ثلاجة، تعامل غريب. يبقى الإنسان السنة والسنتين والثلاث والأربع والعشر وأكثر بدون محاكمة، ولايدري ما مصيره وآهله لا يعلمون، هذا من أشد أنواع الظلم. لأنه مخالف للشرع ومخالف للنظام. ولذلك المجتمع يطالب بتطبيق النظام. الشعب والمجتمع كله يريد تطبيق النظام. 

 

فكانت المعضلة هي إيجاد نظام مثل نظام الإجراءات الجزائية الذي في الغالب لا يتم تطبيقه على أي معتقل سياسي..

فكان محامون مثل وليد أبو الخير.. يعملون على هذا الهامش للمطالبة بتطبيق العدالة وتطبيق النظام .. يتحركون لرفع السقف ويناورون بشكل قانوني ذكي ضمن الممكن والهامش المتاح.

 

يطالبون بتطبيق نظام الإجراءات الجزائي مثلاً.

 

نظام الاجراءات الجزائية السعودي يقول في مادته الثانية
لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه، أو سجنه، إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة التي تحددها السلطة المختصة.
ويُحْظَر إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنويّاً، ويُحْظَر كذلك تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة

 

المادة السادسة والثلاثون:
يجب أن يعامل الموقوف بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنوياً ويجب إخباره بأسباب توقيفه ويكون له الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه.

المادة السابعة والثلاثون :
لا يجوز توقيف أي إنسان أو سجنه إلا في السجون أو أماكن التوقيف المخصصة لذلك نظاماً. ولا يجوز لإدارة أي سجن أو توقيف قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ومحدد المدة وموقع عليه من السلطة المختصة..

 

لكن عمليا.. يتحدث وليد و أصدقائه الحقوقيين في ١٤٣٣هجري (٢٠١٢) عن بيانات اصدروها رصدت انتهاكات وتعذيب وقصص فضيعة داخل السجون:

 

وليد أبو الخير: أصدروا بيانات، بيانات قوية جداً تتحدث عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في السجون السعودية، تتكلم عن تعذيب وعن سجن. بعضهم تعذيب وصل إلى حد القتل، وذهب ضحيتها أناس أبرياء ويتكلمون عن أسماء ضباط وسجانين ضالعون في عملية التعذيب وأنهم قد خاطبوا المقرر الخاص بشأنهم. كل هذا تريد الداخلية أن تطمسها وتريد الداخلية أن تكبح جماح النشطاء الحقوقيين.

 

المادة الرابعة :
 يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.

 

المادة السبعون:

ليس للمحقق - أثناء التحقيق - أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه.

 

المادة الرابعة والخمسون بعد المائة:

جلسات المحاكم علنية.

 

طه الحاجي: نظام الإجراءات الجزائية ينص بنص واضح وصريح بحق المتهم بتوكيل محامي يستعين به أثناء فترة التحقيق وفترة المحاكمة..

 

تحدثنا إلى المحامي السعودي طه الحاجي الذي شاركنا خبرته حول قضايا القانون والمحكمة المتخصصة فقال:

 

طه الحاجي: بالنسبة لفترة التحقيق لايوجد أي معتقل تم السماح له بالتواصل مع محامي، وحضور التحقيقات، يعني حسب معرفتي و متابعتي وحسب القضايا التي ترافعت فيها. في قضايا كثيرة كثير من المحامين أو الوكلاء لايستطيعون مقابلة موكليهم، لايسمح لهم ولايعطوا وقت كافي لمناقشة القضية مع المتهمين لإعداد الردود. يعني أنا شخصياً عندي قضية علي النمر من بدايتها إلى نهايتها، لم أستطع مقابلته أثناء المحاكمة في السجن، كلما قدمنا طلب للمحكمة، المحكمة تخبرنا أنها رفعت لإدارة السجن. إدارة السجن تنكر ذلك، وتخبرنا أنها لم تصلها موافقة من المحكمة أو أمر من المحكمة بالسماح للمقابلة. لم يصل لعلمي أنه تم السماح لأي معتقل بالتواصل مع محاميه أثناء فترة التحقيق. هذه نقطة مباشرة وواضحة وصريحة ومخالفة صريحة للنظام. النقطة الأخرى: أثناء فترة المحاكمة يتم السماح للمتهمين بتوكيل المحامين بعد بدء المحاكمة في الجلسة الأولى يسمح له بتوكيل المحامي في المحكمة الجزائية المتخصصة ولكن دور المحامي في هذه المحكمة دور تجميلي فقط. هو مجرد كومبارس في مسرحية هزلية.  لأن المتهم أمام المحكمة الجزائية المتخصصة قضيته منتهية قبل أن تبدآ. المحكمة لاتفترض البراءة، بل إدانته سابقة باعتبار أن ملف القضية وصل إلى المحكمة مع اعترافات مصدّقة شرعاً، والقضاة يحكمون بناء على هذه الاعترافات باعتبار أن الاعتراف سيد الأدلة، وهو موجود في ملف القضية قبل نظر القضية. فالقصد أن القضية منتهية. محكوم  فيها بناء على هذه الاعترافات رغم الدفوع التي يقدمها المتهمين ووكلاؤهم بعدم صحة هذه الدفوع لأنه لم تقدم أثناء الترافع، لم تقدم أمام القاضي ناظر القضية إلا أن المحكمة لاتنظر إلى هذه الدفوع. وفي نهاية المرافعات ستحكم بناء على هذه الاعترافات، فماهي الفائدة من هذه المحكمة إذا كانت هي ستحكم على شيء بدأ أصلاً قبل بدء المحكمة. في النهاية هي مجرد مسرحية هزلية ليس لها أي قيمة صراحة.

 

المادة الرابعة والثلاثون :
يجب على رجل الضبط الجنائي أن يسمع فوراً أقوال المتهم المقبوض عليه ، وإذا ترجح وجود دلائل كافية على اتهامه فيرسله خلال أربع وعشرين ساعة مع المحضر إلى المحقق الذي يجب عليه أن يستجوب المتهم المقبوض عليه خلال أربع وعشرين ساعة ، ثم يأمر بتوقيفه أو الإفراج عنه.

 

بالمقابل نسمع عن كافة الأشكال و الانتهاكات المختلفة.

 

المحامي الشيخ إبراهيم السكران مرّة قدّم هذه الملاحظة:

إبراهيم السكران: قبل شهرين أو ثلاثة أشهر كتبت مقالة بعنوان "من لأهالي المعتقلين" بعدها صار هناك نوع من التواصل مع مجموعة من أهالي المعتقلين. أرسل لي مجموعة من الأمهات. إحدى تلك الأمهات أرسلت رسالة والله مبكية. قالت كل ماذكر في المقالة من حقوق الموقوفين المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية لم يطبق منها مع إلا ٠٪.

 

طه الحاجي: مايوجد في الورق لايطبق على الواقع فمثلاً تحتوي على مواد قانونية تجرّم التعذيب والحكومة تمارس التعذيب بصورة منهجية ولايكاد يمرّ متهم في المحكمة المتخصصة إلا ويطعن ويدفع بعدم صحة الاعترافات لأنها انتزعت تحت التعذيب

 

المعضلة الأعمق كانت حينما بدأت معركة أشرس:

معركة بدأ الاستبداد فيها بتطويع الأنظمة واستخدام المحاكم بشكل فجّ لتبرير القمع والظلم والتعسّف..

 

فلم يعد الاستبداد يتحايل على الإجراءات العدلية والقضاء والنظام فحسب، بل أصبح يصوغ تلك الأنظمة مثل نظام مكافحة الإهاب.. ونظام الجرائم المعلوماتية

 

وشكّل تلك المحكمة سيئة السمعة "المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الأمن والإرهاب" التي صدرت بأمر من وزير العدل السابق في عام ١٤٣٠ و١٤٣٢ هجري (٢٠٠٩ و ٢٠١١) في مخالفة في أصل تأسيسها لفكرة استقلال القضاء وقوته إذ أن التأسيس بدأ من وزير يتبع السلطة التنفيذية، وليس من المجلس الأعلى للقضاء، وفي اختصاص حساس وغريب يخلط قضايا العنف بقضايا تندرج تحت حرية الرأي والتعبير والحقوق الأساسية المعترف بها في الشريعة الإسلامية وفي النظام الأساسي وفي كل المواثيق التي وقعتها المملكة العربية السعودية.

 

المحكمة المتخصصة أصبحت أداة بيد السلطة إما بطريق الفرض والضغط، أو حتى بطريق الابتزاز والاعتقال كماحصل مع اعتقال ستة من قضاة هذه المحكمة عام ١٤٣٨هجري (٢٠١٧)، وتم التحقيق معهم حول قضايا برأوا فيها بعض أصحاب الرأي والعلم الشرعي في السابق مثل الشيخ عبدالعزيز الطريفي.

 

في مؤخراً أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً عن هذه المحكمة:

تقرير: كشف تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية عن استخدام السلطات السعودية للمحكمة الجزائية المتخصصة كسلاح لإسكات الممنهج لأصوات المعارضة ، وتطلق المنظمة في تقرير يحمل عنوان "تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية". هذا التقرير يوثّق التأثير المروّع لعملية المقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة للمدافعين عن حقوق الإنسان، كما يقول التقرير ، والكتاب والخبراء الاقتصاديين والصحفيين ورجال الدين ودعاة الإصلاح. وبعض هؤلاء أيضاً بعض دعاة الإصلاح من الأقلية الشيعية التي عانى أبناؤها من محاكمات بالغة الجوار أمام المحكمة الجزائية – حسب التقرير، وصدرت بحقهم أحكام قاسية اشتملت على عقوبة الإعدام بناء على أنظمة وصفها التقرير بالفضفاضة لمحاكمة جرائم الإرهاب والجرائم المعلوماتية.

 

يعلق المحامي طه الحاجي علي هذا فيقول:

 

طه لحاجي: هذه القوانين تحتوي على مواد صيغت صياغة سيئة ممكن استغلالها لأي ظرف لأن المواد لم تكن منضبطة، كانت مواد صيغت بعبارات مطاطية عامة جداً ممكن تشكيلها وتطويعها لتناسب أي شخص يتم محاكمته لذلك فالحكومة تطوّع هذه المواد لتطبيقها على هؤلاء النشطاء . نجد مثلاً المادة في نظام الجرائم المعلوماتية احتوت على كلمات عامة جداً ممكن لأي فعل أن يجرّم تحت هذه المادة. كذلك نظام مكافحة الإرهاب احتوى على مفاهيم عامة جداً وأعمال وأفعال لايمكن تصنيفها على أنها أعمال إرهابية. لاتتسم بالعنف ولاتتسم بأي دعم لجهات تستخدم العنف أو تمارس الإرهاب . على سبيل المقال مجرد الانتقاد للملك و لي العهد وفقاً لقانون الإرهاب يعتبر عمل إرهابي.

 

وليد أبوالخير، المحامي القدير والمناضل المدني النبيل.. كأنه كان يعرف أنه سيكون أول ضحية لهذه المحكمة.. المحكمة المتخصصة التي خلقها الاستبداد لتكون مثل المحاكم العسكرية في البلدان الأخرى أو محاكم الطوارئ التي لاتحمل من كلمة "المحاكم" إلا اسمها .. تخضع بالكامل لضغط السلطة التنفيذية وإجراءاتها وتطبّق نظام مكافحة الإرهاب سيء السمعة، وهو نظام أدانته الأمم المتحدة بخبرائها ودارسيها، وأدانته المنظمات الدولية .. لأنه يبرر التعسف والقمع والاعتقال غير المشروط وغير المحدود، ويتيح للسلطة استخدام إجراءات فضفاضة وعبارات غامضة لتجريم أي شيء..  ووضع أي كلام أو رأي أو موقف سياسي سلمي أو مطالبة بالإصلاح تحت طائلة العقاب والمنع والحرمان.

 

الحقوقي السعودي الأستاذ علي الدبيسي (رئيس المنظمة الأوربية لحقوق الإنسان) يتحدث عن هذا:

على الدبيسي: هناك قانون تم بداية تطبيقه في فبراير ٢٠١٤ وهو نظام مكافحة الإرهاب وتمويله ، نشرنا نحن في المنظمة الإوربية السعودية لحقوق الإنسان بمعية منظمات حقوقية سعودية ونقابة المحامين الأمريكيين بحثاً نقدياً لأحد المختصين في قوانين مكافحة الإرهاب الذي عمل طويلاً في ذلك. رأى خلاصة الأمر أن قانون الإرهاب في السعودية يستهدف حقوق الإنسان بشكل عام، فبالتالي هذا الخلل أظن أنه ولّد حالة مضادة من تنامي الإرهاب حينما نرمي على السجون السعودية سنرى هناك ضحايا يأكلهم القهر وتأكلهم الانتهاكات ، بالطبع كثير منهم لم يخرج وهو في حالية راضية على ماتعاملوا معه فيكون ذلك بشكل مضاد مساعداً على توليد المزيد من الإرهاب. أيضاً غياب الرأي الآخر في السعودية ووجود حالة أحادية جداً من فرض الرأي الحكومي بإغفال جميع التعابير الأخرى لمكونات المجتمع المدني، أنا أظن أننا لايمكن أن نقول أن هذه حالة صحية في موضوع مكافحة الإرهاب. 

 

وفي قصّة مناضلة.. شهدت إجراءات مريبة من نفسه المحكمة المتخصصة عام ١٤٣٥هجري ٢٠١٤م..

تخيّلوا أن قصة شهيرة وقتها.. للجين الهذلول تعبر الحدود بسيارتها للمطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية.. تقودها إلى محكمة الإرهاب هذه!

 

لجين تتحدث هنا:

 

لجين الهذلول: بالنسبة للي أقدمت عليه في الحدود وقراري لمحاولة قطع الحدود من بين الإمارات والسعودية كانت مدروسة، كان هناك زي الثغرة القانونية اللي استغليتها أنا أو اللي استخدمتها على أساس أني ما أكون قد اقترفت -يعني- جريمة -إذا كنت تقدر تسميها بهذا الشكل- توجهت للحدود السعودية كمواطنة، حاملة رخصة رسمية خليجية فيها ختم مجلس التعاون، فـ(تكنيكالي سبيكينج)، يعني ماقمت بأي خطأ قانوني . كنت مقتنعة بفعلي، مقتنعة أني ماتجاوزت حدودي، ماتجاوزت القانون ولا النظام.

 

 

 

ألقت الحكومة السعودية في ذلك الحين القب على الناشطة لجين أول مرّة مع الإعلامية ميساء العمودي بعد محاولة دخول السعودية من منفذ الإمارات على سيارة. تم إيقافهن لأسابيع عديدة وتحويلهن لهذه المحكمة المتخصصة.

التهم؟ التحريض على الدولة.. تشويه سمعة الدولة.. وتهم أخرى!

 

لجين الهذلول: من النظام عندنا أنك لازم تملي على الشخص تهمته وإلا جريمته، أنا سحبوني من الحدود دخلوني بالقوة داخل المملكة، وبعدها صمت تام، إلين التحقيق الأول داخل الدار، دار الرعاية يعني، حتى كان التحقيق الأول الساعة ٩ بالمساء، وطلبت من المحقق أنه يؤجل التحقيق، لليوم الي بعده، على بال ما أجمع قواي الجسدية والعقلية، رفض، على أساس أن صاحب السمو يحتاج الأجوبة.

 

ومع صرف النظر عن القضية حينها.. إلا أن الحكومة أعادت اعتقالها مع العديد من الناشطات والمناضلات مؤخراً في أول شهر رمضان عام ١٤٣٩هجري (٢٠١٨) ، وحسب شهادة أهلها، تعرّضت للصعق الكهربائي والتعذيب والتحرّش وشتى أشكال التعذيب النفسي والمعنوي.

 

علياء الهذلول .. شقيقة لجين تقدّم هذه الشهادة:

علياء الهذلول: عرفنا أنه فترة من الفترات من بين مايو إلى أغسطس، لجين تعرضت لتعذيب شديد، غطوا لجين حطوها في شنطة السيارة وأخذوها لمكان، طلعوها في هذا المكان. هذا المكان تحس أنه كان مكان مهجور سابقاً، كان ممكن يكون قصر سابق، ممكن يكون فندق سابق، هنا تعرضت للتعذيب، وهي ماهي فقط تعذيب للحصول على اعترافات، لا. تعذيب من أجل التعذيب، كأنه فيه نوع من الانبساط بالتعذيب، مثل الاحتفال كأنها حفلة تعذيب. هذا التعذيب كان شي لايصدق، فمثلاً التعذيب الجسدي، كان ضرب، صعقها بالكهرباء على فخوذها وكان حواليها رجال حين يصعقونها يقولون "على راسها، على فخذها، على صدرها.."  كانوا في نشوة، وفرح بهذا التعذيب لكسر لجين. هذا نوع من التعذيب، لكن التعذيب الشديد هو تصحى بنص الليل تجد شخص نائم بجنبها ، يحاول يلمسها ، يلمس الأماكن الحساسة، تحرش جنسي يتكلم كلمات جداً بذئية، ماكانت متعودة تسمع مثل هذه الكلمات.

 

 

طه الحاجي: كذلك المحكمة الجزائية المتخصصة وهي محكمة جزائية أنشئت للنظر في قضايا الإرهاب وأمن الدولة نجد حالات كثيرة ليست لها أي علاقة بالعنف ولا بالإرهاب ، يتم إحالتها إلى هذه المحكمة. تمت محاكمة لجين الهذلول وميساء العمودي أمام هذه المحكمة بسبب قيادتهم للسيارة. فقد تمت إحالة الناشط الحقوقي البارز وليد أبوالخير إلى المحكمة الجزائية المتخصصة ومحاكمته وفق قانون الإرهاب رغم أن وليد عمله سلمي ١٠٠٪، وهو لايستحق المحاكمة أصلاً . تمت إحالته لهذه المحكمة لأنها تستغلها الحكومة للانتقام والتصفية. بلاشك هي محكمة غير مستقلة. القضايا مسيسة بامتياز فيها.

 

 

في رمضان عام ١٤٢٥ هجري (٢٠١٤) حكم يوسف الغامدي القاضي في المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة على المحامي وليد أبوالخير بالسجن ١٥ سنة، والمنع من السفر ١٥ سنة بعدها.

 

نشرت وكالة (واس) السعودية الرسمية الخبر بدون اسم وليد فقالت: " أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بمقرها الصيفي في محافظة جدة حكماً ابتدائياً يقضي بإدانة أحد المتهمين بالسعي لنزع الولاية الشرعية، والإساءة للنظام العام في الدولة والمسئولين فيها ، وتأليب الرأي العام وانتقاص وإهانة السلطة القضائية ، والقدح علناً في القضاء الشرعي وتشويه سمعة المملكة باستعداء المنظمات الدولية ضد المملكة والإدلاء ببيانات غير موثقة تسيء لسمعة المملكة وتحرض عليها وتنفر عنها , وتبني جمعية غير مرخصة والاتصاف برئيسها والتحدث باسمها وإصدار البيانات منها والتواصل من خلالها ، وإعداد وتخزين وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام ."

 

هذا الحكم المخيف.. يريد أن يكتم واحد من أهم أصوات الناس والشعب والشباب.. حكم أدانته منظمة هيومن رايتس ووتش والمنظمات الدولية واعتبرته حكم على أحد أهم أبرز الحقوقيين بتهم فضفاضة بسبب نشاطه السلمي الحقوقي.. وغيّبت سجون ذهبان هذا القلب الحر:

 

وليد: كل ما أتمناه إن كتب عليّ أن أسجن أو أعتقل، أن لا أتنازل عن هذه الحرية ، أعلم بأن هذا الشعور موجود في داخلي، سيكون معي حتى في المعتقل، مايهمني هو أنه عندما أخرج -لا أعلم متى- أن لا أكون منكسراً، وأن يكون هذا الشعور مازال هو وكما أن أفتخر به. الحرية في نظري هي التي جعلت كل هذه السنوات من العمل وكل هذه المعاناة حالة أذكها وأستمتع بها وأنا أضحك وأبتسم، وأتمنى من الآخرين أن يعيشوها.

 

وليد لايزال يمارس النضال من داخل السجن.. قبل فترة بسيطة بدأ وليد إضراباً عن الطعام داخل سجن ذهبان.. ونقل إلى مستشفى حسب منظمة القسط الحقوقية..

 

هذي هي القصة..

 

قصة محكمة بدأت بشكل غير سوي وغير عدلي.. وأصبحت أداة غير عدلية..

 

قصّة أنظمة تستحدث لأجل تبرير القمع والاعتقال التعسفي.. عوضاً عن حماية الناس والشعب والحقوق والحريات..

 

قصة زمن للسجن.. وأزمنة كثيرة جداً للحرّية..

 

كل حلقة وأنتم بحرّية!

 

شاركونا برأيكم عبر هذه الطريقة الآمنة و بدون اسم أو هوية. تجدون التعليمات على حساب تويتر (بودكاست السعودية العظمى)

 

أنتج هذا البودكاست بدعم من منظمة العفو الدولية. الآراء الواردة فيه مستقلة ولا تمثل بالضرورة راي منظمة العفو الدولية.