حرصا منا على المصداقية و الشفافية جميع المصادر و التقارير المستخدمة في الحلقة ستجدونها مرفقة بالنص:ـ

النص

السعودية العظمى

حرية، عدالة، تعددية، تمثيل ... و كل ما يجعل السعودية عظيمة.

هذه حلقات موسم جديد من "السعودية العظمى".. نناقش فيها قضايانا بدون واسطة، وبدون تحفّظات، وبدون مقصّ الرقيب.
دافعها حب هذا البلد لأننا أهلُه.. والدفاع عن الوطن الذي يعني في المقام الأول الدفاع عن شعبه وحقوقه وحرياته والعيش الكريم.

نحن أبناء وبنات هذه الأرض.. نحن زرعها.. نناقش مستقبلنا ومستقبل أهلنا فيها.. ودون تردد لنا عودة بإذن الله!

أنا عبدالله العودة: كبير الباحثين في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون وأستاذ الفكر السياسي الإسلامي في جامعة جورج واشنطن.. وسأكون مقدّم حلقات هذا الموسم بإذن الله تعالى.


في نهار الأربعاء (٢٩ شعبان ١٤٤١هجري (٢٢ إبريل ٢٠٢٠م)، الدكتور عبدالله الحامد، الزعيم الإصلاحي الأبرز وأهم الآباء المؤسسين للنضال الدستوري في السعودية، ترجّل عن صهوة جواده النبيل وفاضت روحه إلى بارئها والقيود إلى جواره، إثر عملية قتل بطيء وإهمال طبّي متعمّد في سجن الحائر بالرياض. حُرِم لأشهر طويلة من عملية قسطرة القلب التي كان في أمسّ الحاجة إليها حتى أصيب بجلطة في الدماغ ووقع على الأرض في زنزانته مغشيّاً عليه، وحتى ذلك لم يشفع له عند سجّانيه الذين تركوه على الأرض أربع ساعات كاملة رغم استغاثة زملائه في الغرفة. تركوه يموت.. لأنهم يظنون أنهم يطوون صفحة نضاله.. لكن هذه الصفحة ستكون وقوداً لتاريخ أعمق وأكثر صلابة يستلهم هذه التضحيات الطاهرة.

عبد الله الحامد: في هذه المحاكم يحاكمون.. محاكمتهم على الرأي.. على الرأي! لماذا تقول المظاهرات تجوز؟


في ليلة شبه شاتية.. في عام ١٤٣٤هجري (٢٠١٢م) وخارج المحكمة في الرياض .. د. عبدالله الحامد، وسليمان الرشودي (القاضي السابق وأحد أقدم المحامين في المملكة) ود. محمد فهد القحطاني (العضو المؤسس لجمعية حسم الحقوقية) مع آخرين.. خرجوا للتو من جلسة من محاكمتهم على المطالب الإصلاحية. التهم ضدهم؟ تأسيس جمعية غير مرخصة و تعطيل عجلة التنمية!


عبد الله الحامد: هذه محاكم التفتيش هذه .. هذا لا يوجد إلا في حكم قراقوش. محاكم تفتيش هذه! يجب أن ندينها و ندفع الثمن و ليكن ما يكون. النهر يحفر مجراه .. النهر يحفر مجراه!

قراقوش الذي تحدث الحامد عنه هو شخصية سياسية مثيرة للجدل معروفة في العالم العربي.. وكأن الحامد كان يتنبأ بأن بطش قراقوش وعنجهيته وخرقه لكل قيم العدالة سيكلّف الحامد حياته، فمن قراقوش هذا؟

كان في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وكان هناك مؤرخ مصري مسلم عاصر قراقوش. هذ المؤرخ اسمه "الأسعد بن مماتي"..ألّف كتاباً عنه سمّاه "الفاشوش في حكم قراشوش" ويبدو أنه هو الذي خلّد قراقوش كشخص لا يعبأ بسيادة النظام ولا يلتزم بأي إجراءات عدلية فقال عنه:

"إننى لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش محزمة فاشوش، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدى بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم. الشكية عنده لمن سبق، ولا يهتدى لمن صدق. ولا يقدر أحد من عظم منزلته على أن يرد كلمته، ويشتط اشتياط الشيطان، ويحكم حكماً ما أنزل الله به من سلطان"

الحامد بعد المحاكمة تحدّث عن قراقوش وعن العدل الفاشوش. فحكم قراقوش هو غياب سلطة القانون و أن يعاقبك صاحب السلطة لأنك تحديداً تفضح الفساد والاستبداد وأن تعطى امتيازات لأصحاب المصالح الضيقة الخاصة بسبب انخراطهم في التبرير للسلطة والتطبيل لها وأن لا تستطيع حتى التوقّع بنتائج فعلك .. فقد يقول أو يفعل اثنان نفس الشيء و يعاقب الأول بشكل فضيع ويترك الثاني .. شخص يقيم مشروعاً تجارياً فيغلق من قبل السلطة.. و شخص آخر يقيم نفس المشروع فيعطى امتيازات.

باختصار .. العدل الفاشوش تحت حكم قراقوش هو غياب العدالة .

كان الحامد والقحطاني ورفاقهما ضد الحكم التعسفي، وغياب القانون، وفقدان العدالة وفقدان التنبؤ بنتائج الفعل .. لذلك كانوا مع الحكم الدستوري وضد الاعتباط والتعسف والظلم.

هذا هو الشيء الذي يريد مشروع الملكية الدستورية حلّه عبر سلطة القانون وسيادة الأمة والدستور وحكم الشورى.

محمد القحطاني: أي دولة فيها سلطة قانون لا بد أن تبنى على ثلاث قيم: القيمة الأولى الانضباط بالقيم الدستورية

الدكتور محمد القحطاني، أستاذ الاقتصاد والعضو المؤسس لجمعية حسم الحقوقية و الذي تم اعتقاله في عام ٢٠١٢ يتحدّث عن هذا المشروع:

يعني أن يكون هناك دستور يضبط سلوك الحكومة. فالدستور يحدد و ينص على صلاحيات الحكومة و هو بذلك ينعكس بالتزام الحكومة بالقوانين و التشريعات و يمنع قرارات و تدخلات الحكومة العشوائية و التعسفية في الشأن العام و شؤن الشعب و يؤكد على حريات الأفراد.


كان الحامد والقحطاني ورفاقه الآخرين في "حسم" الذين واجهوا تلك المحاكمات والاعتقالات جزء مهم من مشروع "الدستوريين" في السعودية. حسم (جمعية الحقوق السياسية والمدنية يتم اختصارها من أول حرف من الكلمات الثلاث "حقوق".. "سياسية".. "مدنية"؛ جمعية تأسست في عام ٢٠٠٩ من الحامد والقحطاني و الرشودي ومحمد البجادي وآخرين، كانت فكرتهم الدعوة نحو التحول إلى ملكية دستورية.

يقدّم الدكتور محمد القحطاني تلخيص رؤية حسم فيقول:

محمد القحطاني: نحن ربطنا مثل هذه القضايا.. أنه لا يمكن تحقيقها إلا بإصلاح حقيقي للنظام السياسي .. تصبح الأمة هي ولية أمرها و القيمة على الحاكم .. بمعنى أن يكون هناك نواب أمة هم الذين يرسمون السياسة و بالتالي تتحول البيعة من بيعة الاضطرار تحت الحكم الجبري إلى بيعة الاختيار عندما يكون هناك حقوق للمواطنين.

و يقول الدكتور عبد الله الحامد عن البيعة:

عبد الله الحامد: في ظلال قضاة وكلاء عن الحاكم المستبد لا يمكن أن توجد – أن يضمن استقلال القضاء ولا نزاهته و من أجل ذلك طالب الإصلاحيون بالملكية الدستورية التي ينتقل فيها الحكم من صيغة مطلقة إلى صيغة مقيدة بمعنى أن الملك يكون بين أمرين: اما أن يكون مسؤلاً عن قراره و إما أن يكون فخريا لا يسأل عما يفعل الآخرون. و هذا هو مفهوم البيعة لأن مفهوم البيعة على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله